[color=white]الملك الناصر أبو المظفر يوسف بن أيوب
الفترة 589-567هـ / 1174–1193م
تتويج 567هـ /1174م، القاهرة، مصر
الاسم الكامل يوسف بن نجم الدين بن أيوب
ألقاب الملك الناصر
ولادة 532هـ / 1138م
توفي 589هـ / 1193م (55–56 عامًا)
مكان الوفاة دمشق
دفن المسجد الأموي
السلف نور الدين زنكي
الخلف الأفضل بن صلاح الدين (الشام)
العزيز عثمان (مصر)
سلالة الدولة الأيوبيّة
اعتقاد ديني مسلم سني
الملك الناصر أبو المظفر يوسف بن أيوب (1138 - 1193م)،
المشهور بلقب صلاح الدين الأيوبي قائد عسكري أسس الدولة الأيوبية
التي وحدت مصر والشام والحجاز واليمن في ظل الراية العباسية،
بعد أن قضى على الخلافة الفاطمية التي استمرت 262 سنة.
قاد صلاح الدين عدّة حملات ومعارك ضد الفرنجة وغيرهم
من الصليبيين الأوروبيين في سبيل استعادة الأراضي المقدسة التي كان
الصليبيون قد استولوا عليها في أواخر القرن الحادي عشر
، وقد تمكن في نهاية المطاف من استعادة معظم أراضي فلسطين ولبنان
بما فيها مدينة القدس، بعد أن هزم جيش بيت المقدس
هزيمة منكرة في معركة حطين.
كان صلاح الدين مسلمًا متصوفًا اتبع المذهب السني والطريقة القادرية،
وبعض العلماء كالمقريزي وبعض المؤرخين المتأخرين قالوا:
إنه كان أشعريًا،
وإنه كان يصحب علماء الصوفية الأشاعرة لأخذ الرأي والمشورة،
وأظهر العقيدة الأشعرية. يشتهر صلاح الدين بتسامحه ومعاملته الإنسانية لأعدائه،
لذا فهو من أكثر الأشخاص تقديرًا واحترامًا في العالمين الشرقي الإسلامي
والأوروبي المسيحي،
حيث كتب المؤرخون الصليبيون عن بسالته في عدد من المواقف،
أبرزها عند حصاره لقلعة الكرك في مؤاب،
وكنتيجة لهذا حظي صلاح الدين باحترام خصومه لا سيما
ملك إنگلترا ريتشارد الأول "قلب الأسد"،
وبدلاً من أن يتحول لشخص مكروه في أوروبا الغربية،
استحال رمزًا من رموز الفروسية والشجاعة،
وورد ذكره في عدد من القصص والأشعار الإنگليزية والفرنسية العائدة لتلك الحقبة.
1 -نسبه ونشأته
لاح الدين في تكريت بالعراق
عام 532 هـ/1138م في ليلة مغادرة والده نجم الدين أيوب قلعة تكريت حينما كان واليًا عليها،
ويرجع نسب الأيوبيين إلى أيوب بن شاذي بن مروان من أهل مدينة دوين في أرمينيا،
ويرجع ابن الأثير نسب أيوب بن شاذي بن مروان إلى الأكراد الروادية
وهم فخذ من الهذبانية،يقول أحمد بن خلكان:
«قال لي رجل فقيه عارف بما يقول،
وهو من أهل دوين، إن على باب دوين قرية يُقال لها "أجدانقان" وجميع أهلها أكراد روادية،
وكان شاذي قد أخذ ولديه أسد الدين شيركوه
ونجم الدين أيوب وخرج بهما إلى بغداد ومن هناك نزلوا تكريت،
ومات شاذي بها وعلى قبره قبة داخل البلد»
بينما يرفض بعض ملوك الأيوبيين هذا النسب وقالوا:
"إنما نحن عرب،
نزلنا عند الأكراد وتزوجنا منهم الأيوبيون نفسهم اختلفوا في نسبهم
فالملك المعز إسماعيل صاحب اليمن أرجع نسب بني أيوب إلى بني أمية
وحين بلغ ذلك الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب قال كذب
إسماعيل ما نحن من بني أمية أما الأيوبيون ملوك دمشق
فقد أثبتوا نسبهم إلى بني مرة بن عوف من بطون غطفان
وقد أحضر هذا النسب على المعظم عيسى بن أحمد صاحب دمشق
وأسمعه ابنه الملك الناصر صلاح الدين داود
وقد شرح الحسن بن داود الأيوبي في كتابه "الفوائد الجلية في الفرائد الناصرية
ما قيل عن نسب أجداده وقطع أنهم ليسوا أكرادًا،
بل نزلوا عندهم فنسبوا إليهم.
وقال: "ولم أرَ أحداً ممن أدركتُه من مشايخ بيتنا يعترف بهذا النسب".
كما أن الحسن بن داود قد رجَّح في كتابه صحة شجرة النسب
التي وضعها الحسن بن غريب،
والتي فيها نسبة العائلة إلى أيوب بن شاذي بن مروان بن أبي
علي (محمد) بن عنترة بن الحسن بن علي بن أحمد بن أبي علي بن
عبد العزيز بن هُدْبة بن الحُصَين بن الحارث بن سنان بن عمرو بن
مُرَّة بن عُوف بن أسامة بن بَيْهس بن الحارث بن عوف بن أبي حارثة بن
مُرّة بن نَشبَة بن غَيظ بن مرة بن عوف بن لؤي بن غالب
بن فِهر (وهو جد قريش).
وكان نجم الدين والد صلاح الدين قد انتقل إلى بعلبك حيث أصبح واليًا عليها
مدة سبع سنوات وانتقل إلى دمشق،
وقضى صلاح الدين طفولته في دمشق حيث أمضى فترة شبابه
في بلاط الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي أمير دمشق
إن المصادر حول حياة صلاح الدين خلال هذه الفترة قليلة ومبعثرة،
لكن من المعروف أنه عشق دمشق عشقًا شديدًا، وتلقى علومه فيها،
وبرع في دراساته، حتى قال عنه بعض معاصريه أنه
كان عالمًا بالهندسة الإقليدية والرياضيات المجسطية وعلوم الحساب والشريعة الإسلامية،
وتنص بعض المصادر أن صلاح الدين كان أكثر شغفًا بالعلوم الدينية والفقه الإسلامي
من العلوم العسكرية خلال أيام دراسته وبالإضافة إلى ذلك،
كان صلاح الدين ملمًا بعلم الأنساب والسير الذاتية وتاريخ العرب والشعر،
حيث حفظ ديوان الحماسة لأبي تمام عن ظهر قلب،
أيضًا أحب الخيول العربية المطهمة، وعرف أنقى سلالاتها دمًا
2 -الحروب ضد الصليبيين
[نبعد أن نجح صلاح الدين في أن يجمع مصر وسوريا وغربي شبه الجزيرة العربية
والعراق في دولة إسلامية موحدة قوية تحيط بمملكة بيت المقدس
والإمارات الصليبية من الشمال والشرق والجنوب،
واطمأن إلى وحدتها وتماسكها،
انتقل إلى تحقيق القسم الثاني من مخططه السياسي،
وهو محاربة الصليبيين وطردهم من البلاد،[43] وجاءَته الفرصة
حين تعرّض أرناط آل شاتيون صاحب الكرك العهد لقافلة
غزيرة الأموال كثيرة الرجال فأخذهم عن آخرهم ونهب أموالهم ودوابهم وسلاحهم،
فأرسل إليه صلاح الدين يلومه ويُقبح فعله وغدره ويتوعده
إن لم يطلق الأسرى والأموال، فلما رفض أرسل صلاح الدين،
الذي كان آنئذ في دمشق،
إلى جميع الأطراف باستدعاء العساكر لحرب أرناط، وتوجه بنفسه إلى بصرى،
ومنها إلى الأردن ونزل بثغر الأقحوان.[128]
في 9 جمادى الآخرة سنة 579هـ، الموافق فيه 29 سبتمبر سنة 1183م،
عبر صلاح الدين نهر الأردن لمهاجمة بيسان التي وجدها خاوية.
وفي اليوم التالي، أضرمت قواته النار في البلدة،وساروا غربًا،
ليعترضوا تعزيزات الصليبيين من حصني الكرك والشوبك
على طول طريق نابلس وأسروا عددًا منهم.
وفي تلك الأثناء، كانت قوة الصليبيين الرئيسية بقيادة غي آل لوزنيان،
قرين ملكة القدس سيبيلا أخت بلدوين، قد تحركت من صفورية إلى العفولة.
أرسل صلاح الدين الأيوبي 500 مقاتل لمناوشة قوات الصليبيين،
وسار بنفسه إلى عين جالوت. وعندما تقدمت القوات الصليبية،
والتي كانت أكبر قوة جمعتها المملكة من مواردها الخاصة،
ولكنها كانت لا تزال أقل من قوات المسلمين،
تراجع الأيوبيون بشكل غير متوقع إلى عين جالوت.
رغم وجود بضع الغارات الأيوبية،
بما في ذلك الهجمات على زرعين والطيبة وجبل طابور
، لم يشارك الصليبيون بكامل قواتهم في معركة العفولة،
التي قاد فيها صلاح الدين رجاله عبر النهر منسحبًا ببطء
ومع ذلك، أثارت المزيد من الهجمات الصليبية غضب صلاح الدين الأيوبي.
فقد استمر أرناط آل شاتيون يهاجم القوافل التجارية العائدة للمسلمين
وطرق الحج بأسطول في البحر الأحمر،
وهو الممر المائي الذي كان من اللازم لصلاح الدين بقائه مفتوحًا.
وردًا على ذلك، بنى صلاح الدين أسطولاً من 30 سفينة لمهاجمة بيروت في عام 1182م.
هدد رينالد بمهاجمة مدن المسلمين المقدسة مكة والمدينة المنورة،
وهو ما رد عليه صلاح الدين بمحاصرة الكرك قلعة أرناط الحصينة مرتين،
عامي 1183 و1184، فردّ رينالد بنهب قافلة حجيج عام 1185،
ووفقًا لمؤرخ القرن الثالث عشر الإفرنجي وليم الصوري،
فقد قبض أرناط على أخت صلاح الدين في تلك الغارة على القافلة،
وهو ما لم تثبته المصادر المعاصرة، سواءً الإسلامية أو الأوروبية،
وذكرت بدلاً من ذلك أن أرناط هاجم القافلة،
وأن جند صلاح الدين حموا شقيقته وابنها حتى وصلوا دون أي ضرر.
بعد أن استعصى حصن الكرك المنيع على صلاح الدين أدار وجهه وجهة أخرى
وعاود مهاجمة عز الدين مسعود بن مودود الزنكي في نواحي الموصل
التي كان قد بدأت جهوده في ضمها سنة 1182م،
إلا أن تحالف عز الدين مع حاكم أذربيجان ومملكة جبال،
والذي أرسل جنوده عبر جبال زاغروس عام 1185م،
جعل صلاح الدين يتردد في هجومه. وحينما علم المدافعون عن الموصل،
بأن تعزيزات في طريقها إليهم، ارتفعت معنوياتهم وزادوا من جهودهم،
وقد تزامن ذلك مع مرض صلاح الدين،
لذا ففي شهر مارس من سنة 1186م،
تم التوقيع على معاهدة سلام
3- معركة حطين
كان المرض قد اشتد على ملك بيت المقدس بلدوين الرابع، في سنة 1185م
وما لبث أن توفي في ذلك العام بعد أن سمّى ابن شقيقته بلدوين الخامس خلفًا له،
لكن الأخير ما لبث أن توفي خلال سنة، فتولّت العرش والدته سيبيلا،
التي ما لبثت أن توّجت زوجها الثاني غي آل لوزينيان ملكًا
، وكان الأخير قد خُطط له أن يكون وصي العرش بعد بلدوين الرابع،
لكن تحالفه مع أرناط وخرقهما للهدنة مع صلاح الدين ومهاجمتهما
لقوافل المسلمين التجارية وقوافل الحجاج، الأمر الذي جعل صلاح الدين يُحاصر الكرك
، جعلت بلدوين الرابع يعدل عن تسميته خلفًا له بعد مماته
.[43] وعندما تولّى غي عرش بيت المقدس ظهرت الانشقاقات بين الصليبين وتوسعت
، فلم يكن عدد من الأمراء راضيًا عن توليه،
ومن هؤلاء ريموند الثالث "القمص" صاحب طرابلس،
الذي دفعه غيظه إلى مراسلة صلاح الدين
[131] ومصادقته واتفق معه ألا يحاربه ولا يرفع عليه سيف،
فقال له: «أنني أملك طبريا أنزل عليها وأستولي عليها
وأنا أتركها لك فتقوى بها على الفرنجة وتضعف قلوبهم».
فذهب صلاح الدين ونزل قريبًا من طبريا فسلمها له صاحب طرابلس
، وسمع ملك الفرنجة المتوج حديثًا ما حدث،
فحشد العامة في البلاد مع عساكر الساحل وسار للقاء صلاح الدين،
وانضم إليه صاحب طرابلس ليتستر على فعله.[132]
معركة حطين بين الصليبيين والمسلمين.
صلاح الدين يُعدم أرناط صاحب الكرك بيده.
في يوم السبت 25 ربيع الآخر سنة 583هـ، الموافق فيه 5 يوليو سنة 1187م،
نزل الصليبيون قرون وكان صلاح الدين قد سبقهم إلى هناك وتمركز جيشه
في المنطقة العليا منها حيث نبع المياه،
وكانت تجهيزات الفرنجة الحربية الثقيلة هي سبب تأخرهم في الوصول،
ولمّا حصل ووصلوا إلى الموقع كانوا هالكين من العطش لدرجة أنهم شربوا الخمر
بدلاً من الماء فسكر منهم الكثير، وهاجموا جيش صلاح الدين فقُتل
من الفرقين عدد من الجنود، وكان الصليبيون متحمسين في البداية للحصول
على الماء فهزموا المسلمين في أول النهار ولكن دارت الدوائر في آخر النهار
، فإنقض الأيوبيون على الجيش الصليبي ومزقوا صفوفه، واستمرت المعركة
ساعات طويلة، وما أن انقشع غبارها حتى تبيّن مدى الكارثة التي لحقت بالصليبيين،
فقد خسروا زهرة شباب جنودهم، وقُتل العديد من الفرسان والضبّاط المخضرمين،
ووقع الملك غي آل لوزينيان وأخوه وأرناط صاحب الكرك وغيرهم من
كبار الصليبيين بالأس أما ريموند الثالث صاحب طرابلس، فقد تظاهر بالهجوم
على المسلمين، فمر بين صفوفهم وذهب ولم يرجع كأنه أنهزم
، واتجه إلى مدينة صور ومكث بها.
بعد هذا النصر جلس صلاح الدين في خيمته، وأمر بإحضار الملك غي وأخوه وأرناط،
فلمّا مثلوا أمامه قدّم للملك شربة من جلاّب وثلج، فشربها وكان على
أشد حال من العطش، ثم ناولها لأرناط، فقال صلاح الدين للترجمان:
«إنما ناولتك، ولم آذن لك أن تسقيه، هذا لا عهد له عندي وذلك كون العادة السائدة
كانت أنه لو شرب الأسير أو أكل من مال من أسره أمن، وكان صلاح الدين
قد نذر أنه لو ظفر بأرناط قتله بعد أن قتل من المسلمين خلقًا كثيرًا بعد ذلك
أمر صلاح الدين بإحضار بعض الطعام للملك غي، وما أن انتهى حتى
أمر بإحضار أرناط، وأوقفه بين يديه ثم قال له:
«نعم أنا أنوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الانتصار لأمته»،ودعاه إلى اعتناق الإسلام،
فرفض وقال ما يتضمن الاستخفاف بالنبي محمد،
فسلّ صلاح الدين سيفه ودق عنق أرناط، وأمسكه الجنود وأخرجوا جثته ورموها على باب الخيمة
، ورآه الملك غي يتخبط في دمائه ويلفظ أنفاسه الأخيرة فخاف
وشحب لونه معتقدًا أنه لاحق به،
فاستحضره صلاح الدين وطيّب قلبه وقال له:
أنا أحدثك حديث الأمراء، لا تخاف يا ملك فلن تموت اليوم،
بل تحيا ولو بقي في قومك بقية كنت أملكك عليهم وأساعدك بمالي ورجالي طول أيام حياتك
. إن سبب ما فعلته به أن الكرك كانت طريق التجار والمسافرين
فكان يعتدى على القوافل بظلم وعنف، وكان ملوك المسلمين نور الدين
وغيره يطلبون الصلح معه ليخففوا ضرره على المسلمين، فكان يوافقهم مرة
ولا يعتدي على التجار وألف مرة يعتدي. فلما تملّكت وحكمت البلاد أرسلت له وهاديته
بمال كثير وخلع.. فحلف لرسولي أنه لن يؤذي المسلمين وسيترك التجار بلا ضرر
ويمهد لهم الطريق ولن يعتدي أي واحد من أصحابه عليهم، وبعد الصلح
بثلاثة أيام عبرت قافلة قاصدة دمشق فساقها بجمالها ورجالها وأموالها وذهب بها
إلى الكرك فأسر رجالها وأخذ الأموال فلما عرفت بأمر نقوضه العهد كتمت
الغيظ ونذرت لله أنني متى ظفرت به أذبحه واقطع رقبته، فلا تلومني يا ملك
صلاح الدين وغي آل لوزينيان بعد معركة حطين.ثم استدعى خادمه وسأله أن يحضر
شراب فجاء به فأخذه بيده وشرب منه وناوله للملك فشربه وأعطى له ولأصحابه خيمة
وجعل عليها حراسًا لحراسته واحتفظ به، وأرسله إلى دمشق أسيرًا
، يرافقه القاضي ابن أبي عصرون،
حتى تنتهي الحرب وتُفتتح القدس،
وأرسل معه أيضًا صليب الصلبوت، وهو الصليب الأعظم عند الصليبيين
والذي قيل بأن فيه قطعة من الخشبة التي صُلب عليها المسيح،
وكان يُغلّف بالذهب واللآلئ والجواهر النفسية
، وكان يتقدم الجيش الصليبي على الدوام، وحملوه معهم يوم حطين،
وأودع في قلعة دمشق عند وصوله
4-فتح القدس
ظل صلاح الدين في عسقلان حتى نظم إدارتها وسلمها إلى أحد مماليكه واسمه علم الدين قيصر،
وأعطاه ولاية عسقلان والقطاع الذي حولها ورحل منها وتوجه إلى القدس لفتحها،
ووصلها يوم الخميس في 11 رجب سنة 583هـ، الموافق فيه 20 سبتمبر سنة 1187م،
من جهة عين سلوان حتى يكون الماء قريب من جيشه وأمر جنده بمحاصرة المدينة في هيئة دائرية
، وصلى المسلمين على الجبل الذي حولها يوم الجمعة،
وزحفوا للقتال بعد الصلاة،
ولم يكن في المدينة المقدسة قوة كبيرة لحمايتها من الهجوم الأيوبي،
حيث لم يزيد عدد الجنود عن 1400 جندي، أما الباقون فكانوا من الفقراء والأهالي
الذين لا خبرة لديهم في القتال وكان باليان بن بارزان فارس من فرسان الفرنجة الكبار
يسكن مدينة القدس ويتولى شؤونها منذ أن غادرها الملك غي
، وكان باليان هذا هو صاحب مدينة الرملة،[137][139]
وقاد القتال في ذلك اليوم وإنضم إليه الكهنة والشمامسة،
وكان ماهرًا في إدارة القتال وتوجيه المقاتلين أمام قوات صلاح الدين،
وكان خوفه الأكبر أن يقتل المسلمين كل مسيحيي القدس عند دخولهم كما
فعل الصليبيون عندما فتحوا المدينة قبل ما يزيد عن قرن من الزمن، فحث
السكان أن يدافعوا عن حياتهم ومقدساتهم حتى الرمق الأخير، وعندما أرسل له صلاح الدين
أن يسلم المدينة ويطلب الأمان لم يفعل، وأصر على القتال واستمر
في الحرب لمدة 14 يومًا.[138]
ولما رأى صلاح الدين أن الحرب ستكون شديدة ولم يقدر على احتلال مدينة القدس،
أحضر يوسف البطيط، وهو رجل مسيحي أرثوذكسي مقدسي، انتقل إلى مدينة دمشق
وسكن فيها وكان له معرفة بأمراء مسلمين وفرنجة، وكان ممن يعرفهم صلاح الدين،
وكان يعرف كذلك أبوه وعمه أسد الدين شيركوه وهم بدمشق في خدمة نور الدين زنكي
قبل أن يحكموا مصر،[138] ولما ملك صلاح الدين مصر وحكمها،
جاء إليهم ليعمل معهم فاستخدمه الملك العادل أبو بكر أخو صلاح الدين وأعطاه عطايا،
وسكنًا في قصر الخليفة في قاعة باب الذهب في القصر الشرقي بالقاهرة،
واستخدمه صلاح الدين لمراسلة الفرنجة، وكان يعرف أحوال البلاد
وأهلها كما كان يعرف كبار فرسان تلك البلاد، فطلب منه أن يتفق مع المسيحيين
الأرثوذكس من عرب وروم يوعدهم بالخير والعفو عنهم إذا لم يساعدوا الفرنجة
في القتال وأن يسلموا المدينة لصلاح الدين من الجهة التي يسكنون بها في القدس
فيُهلكوا الفرنجة،[138] الذين رفض صلاح الدين أن يعفي عنهم بحال فتح المدينة
، حتى هدد باليان بقتل الرهائن المسلمين، والذين يُقدّر عددهم بأربعة الآف مسلم
، وتدمير الأماكن الإسلامية المقدسة، أي قبة الصخرة والمسجد القبلي
، الذان يُشكلان المسجد الأقصى، إذا لم يعف صلاح الدين عنهم.[140]
باليان بن بارزان صاحب الرملة ونابلس وحامي القدس
، يُسلّم المدينة للسلطان صلاح الدين الأيوبي.
السكّان الفرنجة بين يديّ صلاح الدين بعد استرجاعه للقدس
.استشار صلاح الدين الأيوبي مجلسه وقبل هذه الشروط،
على أن يتم دفع فدية على كل من فيها مقدارها عشرة دنانير من كل رجل
وخمسه دنانير من كل امرأة ودينارين عن كل صبي وكل صبية لم يبلغ
سن الرشد، فمن أدى ما عليه في المهلة التي قدرها أربعين يومًا،
صار حرًا.[137] ثم سمح صلاح الدين بعد أن إنقضت المهلة لمن
لم يستطع الدفع منهم بالمغادرة دون فدية،[141][142]
ولكن تم بيع معظم المقاتلة منهم عبيدًا.[143]
دخل صلاح الدين المدينة في ليلة المعراج يوم 27 رجب سنة 583هـ،
الموافق فيه 2 أكتوبر سنة 1187م، وسمح لليهود بالعودة للمدينة،[144]
وهو ما دفع سكان عسقلان من اليهود لاستيطان القدس.[145]
وأغلق صلاح الدين كنيسة القيامة بوجه الفرنجة بعد فتح المدينة،
وأمر بترميم المحراب العمري القديم وحمل منبر مليح من حلب كان
الملك نور الدين محمود بن زنكي قد أمر بصنعه ليوضع في المسجد الأقصى
متى فُتح بيت المقدس، فأمر صلاح الدين بحمله من حلب ونُصب بالمسجد الأقصى،
[137] وأزيل ما هناك من آثار مسيحية منها الصليب الذي رفعه الإفرنج على قبة المسجد،
وغُسلت الصخرة المقدسة بعدة أحمال ماء ورد وبُخّرت وفُرشت ورُتّب
في المسجد من يقوم بوظائفه وجُعلت به مدرسة للفقهاء الشافعية
، ثم أعاد صلاح الدين فتح الكنيسة وقرر على من يرد إليها من الفرنج ضريبة يؤديها.[138]
وقد ابتهج المسلمون ابتهاجًا عظيمً
ا بعودة القدس إلى ربوع الأراضي الإسلامية والخلافة العباسية،
وحضر ناس كثيرون ليسلموا على السلطان ومن هؤلاء
الرشيد أبو محمد عبد الرحمن بن بدر بن الحسن بن مفرج النابلسي،
الشاعر المشهور،
فأنشد صلاح الدين قصيدة طويلة من مائة بيت يمدحه ويُهنئه بالفتح
ومما جاء في القصيدة:
هذا الذي كانت الآمال تَنْتَظِرُ فَلْيوفِ لله أقوامٌ بما نَذَر
هذا الفتوحُ الذي جاء الزمانُ به إليك من هفوات الدهر يعتذرُ
تَجُلّ علياه عن دح يُحيط به وصفٌ وإن نظم المّدَاح أو نثروا
لقد فتحتَ عَصيّاً من ثُغورهمُ لولاك ما هُدَّ من أركانها حَجَرُ
-5-حصار عكا
كان معظم أمراء الفرنجة وفرسانها يذهبون إلى المدن الحصينة
التي ما زالت في أيديهم مثل أنطاكية وصور،
وكانت الأخيرة يحكمها ملك من ملوك أوروبا هو كونراد مركيز مونفيراتو،
ويقول البعض أنه رومي إبن اخت إمبراطور القسطنطينية وكانت صور
أكثر أهمية من الناحية الإستراتيجية من القدس،
لذا كان من المتوقع أن يقوم صلاح الدين بفتحها أولاً،
لكنه فضّل استرجاع المدينة المقدسة
أولاً ليرفع من معنويات المسلمين
قبل التوجه لحصار المدينة المحصنة.
وقبل حصار صور توجّه صلاح الدين بجيشة إلى قلعة صفد وحاصرها سبعة شهور،
ولمّا نفذ الطعام وجاعت الحامية إضطروا أن يسلموا القلعة له وطلب الأمان،
وعندما غادرها جنود الفرنجة وفرسانهم ذهبوا إلى صور
وكانت كل قلعة أو حصن أو مدينة تطلب الأمان ويسلمونها إلى صلاح الدين،
كان الفرنجة يغادرونها إلى صور فقويت بوجود فرسان الفرنجة فيها،
فصمدت في وجه صلاح الدين سنة كاملة
، أضف إلى ذلك أن المركيز ظلّ يقوّي ويحمي ويدبر احتياجات المدينة طيلة أيام الحصار
، حتى دبّ اليأس إلى فؤاد السلطان، ففك الحصار عنها مؤجلاً تحقيق الفتح إلى فرصة قادمة
. وفي سنة 1188م أطلق صلاح الدين سراح الملك غي آل لوزينيان
وأعاده إلى زوجته سيبيلا،
فذهبا ليعيشا في طرابلس، ثم توجها إلى أنطاكية،
قبل أن يُقررا الذهاب إلى صور
، لكن كونراد رفض السماح لهما بالدخول إلى المدينة
كونه لم يعترف بشرعيّة ملكيّة غي
حصار عكا.وبعد أن انصرف صلاح الدين
عن صفد واصل فتح المدن والقلاع ففتح جبلة واللاذقية وحصون صهيون
وبكاس والشغر وسرمينية وبرزية ودرب ساك والكرك وكوكب،
كما سعى بوهمند الثالث صاحب أنطاكية لمهادنة صلاح الدين لمدة ثمانية أشهر،
فقبل صلاح الدين ذلك على أن يطلق بوهمند من عنده من أسرى المسلمين
لما ضجت صور بمن لجأ إليها من الفرنجة،
قام بعض رهبانهم وقسسهم بشحن الفرنجة للثأر
لفقدان بيت المقدس، فرأوا أن يهاجموا عكا، فجمعوا قواتهم وضربوا
عليها حصارًا بريًا بحريًا في 15 رجب 585 هـ الموافق 28 أغسطس 1189م
استنجدت حامية المدينة بصلاح الدين فأرسل إلى عماله وحلفاؤه يطالبهم
بالاسراع إلى نجدة المدينة، فوافاه عسكر الموصل وآمد وسنجار وغيرها من بلاد الجزيرة
وحران والرُّها،
كما وافاه أخاه الملك العادل أبي بكر بن أيوب في جند مصر
والأسطول المصري بقيادة حسام الدين لؤلؤ، فدارت بين الفريقين
معارك عظيمة لم يكتب فيها الغلبة لأي من الفريقين
6-وفاتـه
كانت المواجهة مع الملك ريتشارد ومعاهدة الرملة آخر أعمال صلاح الدين،
إذ أنه بعد وقت قصير من رحيل ريتشارد،
مرض صلاح الدين بالحمى الصفراوية يوم السبت في 20 فبراير سنة 1193م
، الموافق فيه 16 صفر سنة 589هـ، وأصابه أرق فلم ينم الليل إلا قليلاً،
وأخذ المرض يشتد ويزيد، حتى قال طبيبه الخاص،
أن أجل السلطان أصبح قاب قوسين أو أدنى،
واستمر المرض يشتد حتى انتهى إلى غاية الضعف،
وبعد تسعة أيام حدثت له غشية وامتنع من تناول المشروب
، ولمّا كان اليوم العاشر حُقن دفعتين،
وحصل له من الحقن بعض الراحة، لكنه عاد
واشتد عليه المرض حتى يأس الأطباء من حاله
.[5] توفي صلاح الدين فجر يوم الأربعاء في 3 مارس سنة 1193م،
الموافق فيه 27 صفر سنة 589هـ
، فأفجع موته المسلمين عمومًا والدمشقيين خصوصًا،
وبكاه الكثيرون عند تشييعه وقيل إن العاقل حتى
كان ليُخيل له أن الدنيا كلها تصيح صوتًا واحدًا من شدة البكاء،
وغشي الناس ما شغلهم عن الصلاة عليه،
وتأسف الناس عليه حتى الفرنج لما كان من صدق وفائه،
ودُفن بعد صلاة عصر ذلك اليوم
في المدرسة العزيزية قرب المسجد الأموي في دمشق،
إلى جوار الملك نور الدين زنكي،
وعندما فُتحت خزانته الشخصية لم يكن فيها ما يكفي من المال لجنازته،
فلم يكن فيها سوى سبعة وأربعين درهمًا ناصريًا ودينارًا واحدًا ذهبًا،
ولم يخلف ملكًا ولا دارًا،
إذ كان قد أنفق معظم ماله في الصدقات
في ساعة موته، كتب القاضي الفاضل،
قاضي دمشق،
إلى ولده الملك الظاهر صاحب حلب رسالة قال فيها:
«﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾۞﴿إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾
كتبت إلى مولانا الملك الظاهر أحسن الله عزاءه
وجبر مصابه، وجعل فيه الخلف من السلف في
الساعة المذكورة وقد زلزل المسلمون زلزالاً شديدًا،
وقد حضرت الدموع المحاجر، وبلغت القلوب الحناجر،
وقد ودعت أباك ومخدومي وداعًا لا تلاقي بعده وقبلت وجهه عني وعنك،
وأسلمته إلى الله وحده مغلوب الحيلة، ضعيف القوة،
راضيًا عن الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وبالباب من الجنود المجندة، والأسلحة المعمدة ما لم يدفع البلاء،
ولا ما يرد القضاء، تدمع العين، ويخشع القلب،
ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وأنا بك يا يوسف لمحزونون.
وأما الوصايا، فما تحتاج إليها، والأراء،
فقد شغلني المصاب عنها، وأما لائح الأمر،
فإنه إن وقع اتفاق، فما عدمتم إلا شخصه الكريم،
وإن كان غير ذلك، فالمصائب المستقبلة أهونها موته،
وهو الهول العظيم والسلام»
مقام صلاح الدين
.وكان ڤيلهلم الثاني إمبراطور ألمانيا عندما زار دمشق
توجه إلى مدفن صلاح الدين ووضع باقة زهور جنائزية
على قبره عليها نقش معناه "ملك بلا خوف ولا ملامة،
علّم خصومه الفروسية الحقيقية"
كما أهدى نعشًا رخاميًا للضريح إلا أن جثمان صلاح الدين لم يُنقل إليه،
وبقي في النعش الخشبي،
وذلك لأن الإسلام يُحّرم نبش القبور وإخراج الأموات
لأغراض غير شرعيّة ويُصنّف ذلك انتهاكًا لحرمة القبر
، لهذا بقي النعش الهدية في الضريح خاويًا إلى اليوم
للآمانة الموضوع منقول
الفترة 589-567هـ / 1174–1193م
تتويج 567هـ /1174م، القاهرة، مصر
الاسم الكامل يوسف بن نجم الدين بن أيوب
ألقاب الملك الناصر
ولادة 532هـ / 1138م
توفي 589هـ / 1193م (55–56 عامًا)
مكان الوفاة دمشق
دفن المسجد الأموي
السلف نور الدين زنكي
الخلف الأفضل بن صلاح الدين (الشام)
العزيز عثمان (مصر)
سلالة الدولة الأيوبيّة
اعتقاد ديني مسلم سني
الملك الناصر أبو المظفر يوسف بن أيوب (1138 - 1193م)،
المشهور بلقب صلاح الدين الأيوبي قائد عسكري أسس الدولة الأيوبية
التي وحدت مصر والشام والحجاز واليمن في ظل الراية العباسية،
بعد أن قضى على الخلافة الفاطمية التي استمرت 262 سنة.
قاد صلاح الدين عدّة حملات ومعارك ضد الفرنجة وغيرهم
من الصليبيين الأوروبيين في سبيل استعادة الأراضي المقدسة التي كان
الصليبيون قد استولوا عليها في أواخر القرن الحادي عشر
، وقد تمكن في نهاية المطاف من استعادة معظم أراضي فلسطين ولبنان
بما فيها مدينة القدس، بعد أن هزم جيش بيت المقدس
هزيمة منكرة في معركة حطين.
كان صلاح الدين مسلمًا متصوفًا اتبع المذهب السني والطريقة القادرية،
وبعض العلماء كالمقريزي وبعض المؤرخين المتأخرين قالوا:
إنه كان أشعريًا،
وإنه كان يصحب علماء الصوفية الأشاعرة لأخذ الرأي والمشورة،
وأظهر العقيدة الأشعرية. يشتهر صلاح الدين بتسامحه ومعاملته الإنسانية لأعدائه،
لذا فهو من أكثر الأشخاص تقديرًا واحترامًا في العالمين الشرقي الإسلامي
والأوروبي المسيحي،
حيث كتب المؤرخون الصليبيون عن بسالته في عدد من المواقف،
أبرزها عند حصاره لقلعة الكرك في مؤاب،
وكنتيجة لهذا حظي صلاح الدين باحترام خصومه لا سيما
ملك إنگلترا ريتشارد الأول "قلب الأسد"،
وبدلاً من أن يتحول لشخص مكروه في أوروبا الغربية،
استحال رمزًا من رموز الفروسية والشجاعة،
وورد ذكره في عدد من القصص والأشعار الإنگليزية والفرنسية العائدة لتلك الحقبة.
1 -نسبه ونشأته
لاح الدين في تكريت بالعراق
عام 532 هـ/1138م في ليلة مغادرة والده نجم الدين أيوب قلعة تكريت حينما كان واليًا عليها،
ويرجع نسب الأيوبيين إلى أيوب بن شاذي بن مروان من أهل مدينة دوين في أرمينيا،
ويرجع ابن الأثير نسب أيوب بن شاذي بن مروان إلى الأكراد الروادية
وهم فخذ من الهذبانية،يقول أحمد بن خلكان:
«قال لي رجل فقيه عارف بما يقول،
وهو من أهل دوين، إن على باب دوين قرية يُقال لها "أجدانقان" وجميع أهلها أكراد روادية،
وكان شاذي قد أخذ ولديه أسد الدين شيركوه
ونجم الدين أيوب وخرج بهما إلى بغداد ومن هناك نزلوا تكريت،
ومات شاذي بها وعلى قبره قبة داخل البلد»
بينما يرفض بعض ملوك الأيوبيين هذا النسب وقالوا:
"إنما نحن عرب،
نزلنا عند الأكراد وتزوجنا منهم الأيوبيون نفسهم اختلفوا في نسبهم
فالملك المعز إسماعيل صاحب اليمن أرجع نسب بني أيوب إلى بني أمية
وحين بلغ ذلك الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب قال كذب
إسماعيل ما نحن من بني أمية أما الأيوبيون ملوك دمشق
فقد أثبتوا نسبهم إلى بني مرة بن عوف من بطون غطفان
وقد أحضر هذا النسب على المعظم عيسى بن أحمد صاحب دمشق
وأسمعه ابنه الملك الناصر صلاح الدين داود
وقد شرح الحسن بن داود الأيوبي في كتابه "الفوائد الجلية في الفرائد الناصرية
ما قيل عن نسب أجداده وقطع أنهم ليسوا أكرادًا،
بل نزلوا عندهم فنسبوا إليهم.
وقال: "ولم أرَ أحداً ممن أدركتُه من مشايخ بيتنا يعترف بهذا النسب".
كما أن الحسن بن داود قد رجَّح في كتابه صحة شجرة النسب
التي وضعها الحسن بن غريب،
والتي فيها نسبة العائلة إلى أيوب بن شاذي بن مروان بن أبي
علي (محمد) بن عنترة بن الحسن بن علي بن أحمد بن أبي علي بن
عبد العزيز بن هُدْبة بن الحُصَين بن الحارث بن سنان بن عمرو بن
مُرَّة بن عُوف بن أسامة بن بَيْهس بن الحارث بن عوف بن أبي حارثة بن
مُرّة بن نَشبَة بن غَيظ بن مرة بن عوف بن لؤي بن غالب
بن فِهر (وهو جد قريش).
وكان نجم الدين والد صلاح الدين قد انتقل إلى بعلبك حيث أصبح واليًا عليها
مدة سبع سنوات وانتقل إلى دمشق،
وقضى صلاح الدين طفولته في دمشق حيث أمضى فترة شبابه
في بلاط الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي أمير دمشق
إن المصادر حول حياة صلاح الدين خلال هذه الفترة قليلة ومبعثرة،
لكن من المعروف أنه عشق دمشق عشقًا شديدًا، وتلقى علومه فيها،
وبرع في دراساته، حتى قال عنه بعض معاصريه أنه
كان عالمًا بالهندسة الإقليدية والرياضيات المجسطية وعلوم الحساب والشريعة الإسلامية،
وتنص بعض المصادر أن صلاح الدين كان أكثر شغفًا بالعلوم الدينية والفقه الإسلامي
من العلوم العسكرية خلال أيام دراسته وبالإضافة إلى ذلك،
كان صلاح الدين ملمًا بعلم الأنساب والسير الذاتية وتاريخ العرب والشعر،
حيث حفظ ديوان الحماسة لأبي تمام عن ظهر قلب،
أيضًا أحب الخيول العربية المطهمة، وعرف أنقى سلالاتها دمًا
2 -الحروب ضد الصليبيين
[نبعد أن نجح صلاح الدين في أن يجمع مصر وسوريا وغربي شبه الجزيرة العربية
والعراق في دولة إسلامية موحدة قوية تحيط بمملكة بيت المقدس
والإمارات الصليبية من الشمال والشرق والجنوب،
واطمأن إلى وحدتها وتماسكها،
انتقل إلى تحقيق القسم الثاني من مخططه السياسي،
وهو محاربة الصليبيين وطردهم من البلاد،[43] وجاءَته الفرصة
حين تعرّض أرناط آل شاتيون صاحب الكرك العهد لقافلة
غزيرة الأموال كثيرة الرجال فأخذهم عن آخرهم ونهب أموالهم ودوابهم وسلاحهم،
فأرسل إليه صلاح الدين يلومه ويُقبح فعله وغدره ويتوعده
إن لم يطلق الأسرى والأموال، فلما رفض أرسل صلاح الدين،
الذي كان آنئذ في دمشق،
إلى جميع الأطراف باستدعاء العساكر لحرب أرناط، وتوجه بنفسه إلى بصرى،
ومنها إلى الأردن ونزل بثغر الأقحوان.[128]
في 9 جمادى الآخرة سنة 579هـ، الموافق فيه 29 سبتمبر سنة 1183م،
عبر صلاح الدين نهر الأردن لمهاجمة بيسان التي وجدها خاوية.
وفي اليوم التالي، أضرمت قواته النار في البلدة،وساروا غربًا،
ليعترضوا تعزيزات الصليبيين من حصني الكرك والشوبك
على طول طريق نابلس وأسروا عددًا منهم.
وفي تلك الأثناء، كانت قوة الصليبيين الرئيسية بقيادة غي آل لوزنيان،
قرين ملكة القدس سيبيلا أخت بلدوين، قد تحركت من صفورية إلى العفولة.
أرسل صلاح الدين الأيوبي 500 مقاتل لمناوشة قوات الصليبيين،
وسار بنفسه إلى عين جالوت. وعندما تقدمت القوات الصليبية،
والتي كانت أكبر قوة جمعتها المملكة من مواردها الخاصة،
ولكنها كانت لا تزال أقل من قوات المسلمين،
تراجع الأيوبيون بشكل غير متوقع إلى عين جالوت.
رغم وجود بضع الغارات الأيوبية،
بما في ذلك الهجمات على زرعين والطيبة وجبل طابور
، لم يشارك الصليبيون بكامل قواتهم في معركة العفولة،
التي قاد فيها صلاح الدين رجاله عبر النهر منسحبًا ببطء
ومع ذلك، أثارت المزيد من الهجمات الصليبية غضب صلاح الدين الأيوبي.
فقد استمر أرناط آل شاتيون يهاجم القوافل التجارية العائدة للمسلمين
وطرق الحج بأسطول في البحر الأحمر،
وهو الممر المائي الذي كان من اللازم لصلاح الدين بقائه مفتوحًا.
وردًا على ذلك، بنى صلاح الدين أسطولاً من 30 سفينة لمهاجمة بيروت في عام 1182م.
هدد رينالد بمهاجمة مدن المسلمين المقدسة مكة والمدينة المنورة،
وهو ما رد عليه صلاح الدين بمحاصرة الكرك قلعة أرناط الحصينة مرتين،
عامي 1183 و1184، فردّ رينالد بنهب قافلة حجيج عام 1185،
ووفقًا لمؤرخ القرن الثالث عشر الإفرنجي وليم الصوري،
فقد قبض أرناط على أخت صلاح الدين في تلك الغارة على القافلة،
وهو ما لم تثبته المصادر المعاصرة، سواءً الإسلامية أو الأوروبية،
وذكرت بدلاً من ذلك أن أرناط هاجم القافلة،
وأن جند صلاح الدين حموا شقيقته وابنها حتى وصلوا دون أي ضرر.
بعد أن استعصى حصن الكرك المنيع على صلاح الدين أدار وجهه وجهة أخرى
وعاود مهاجمة عز الدين مسعود بن مودود الزنكي في نواحي الموصل
التي كان قد بدأت جهوده في ضمها سنة 1182م،
إلا أن تحالف عز الدين مع حاكم أذربيجان ومملكة جبال،
والذي أرسل جنوده عبر جبال زاغروس عام 1185م،
جعل صلاح الدين يتردد في هجومه. وحينما علم المدافعون عن الموصل،
بأن تعزيزات في طريقها إليهم، ارتفعت معنوياتهم وزادوا من جهودهم،
وقد تزامن ذلك مع مرض صلاح الدين،
لذا ففي شهر مارس من سنة 1186م،
تم التوقيع على معاهدة سلام
3- معركة حطين
كان المرض قد اشتد على ملك بيت المقدس بلدوين الرابع، في سنة 1185م
وما لبث أن توفي في ذلك العام بعد أن سمّى ابن شقيقته بلدوين الخامس خلفًا له،
لكن الأخير ما لبث أن توفي خلال سنة، فتولّت العرش والدته سيبيلا،
التي ما لبثت أن توّجت زوجها الثاني غي آل لوزينيان ملكًا
، وكان الأخير قد خُطط له أن يكون وصي العرش بعد بلدوين الرابع،
لكن تحالفه مع أرناط وخرقهما للهدنة مع صلاح الدين ومهاجمتهما
لقوافل المسلمين التجارية وقوافل الحجاج، الأمر الذي جعل صلاح الدين يُحاصر الكرك
، جعلت بلدوين الرابع يعدل عن تسميته خلفًا له بعد مماته
.[43] وعندما تولّى غي عرش بيت المقدس ظهرت الانشقاقات بين الصليبين وتوسعت
، فلم يكن عدد من الأمراء راضيًا عن توليه،
ومن هؤلاء ريموند الثالث "القمص" صاحب طرابلس،
الذي دفعه غيظه إلى مراسلة صلاح الدين
[131] ومصادقته واتفق معه ألا يحاربه ولا يرفع عليه سيف،
فقال له: «أنني أملك طبريا أنزل عليها وأستولي عليها
وأنا أتركها لك فتقوى بها على الفرنجة وتضعف قلوبهم».
فذهب صلاح الدين ونزل قريبًا من طبريا فسلمها له صاحب طرابلس
، وسمع ملك الفرنجة المتوج حديثًا ما حدث،
فحشد العامة في البلاد مع عساكر الساحل وسار للقاء صلاح الدين،
وانضم إليه صاحب طرابلس ليتستر على فعله.[132]
معركة حطين بين الصليبيين والمسلمين.
صلاح الدين يُعدم أرناط صاحب الكرك بيده.
في يوم السبت 25 ربيع الآخر سنة 583هـ، الموافق فيه 5 يوليو سنة 1187م،
نزل الصليبيون قرون وكان صلاح الدين قد سبقهم إلى هناك وتمركز جيشه
في المنطقة العليا منها حيث نبع المياه،
وكانت تجهيزات الفرنجة الحربية الثقيلة هي سبب تأخرهم في الوصول،
ولمّا حصل ووصلوا إلى الموقع كانوا هالكين من العطش لدرجة أنهم شربوا الخمر
بدلاً من الماء فسكر منهم الكثير، وهاجموا جيش صلاح الدين فقُتل
من الفرقين عدد من الجنود، وكان الصليبيون متحمسين في البداية للحصول
على الماء فهزموا المسلمين في أول النهار ولكن دارت الدوائر في آخر النهار
، فإنقض الأيوبيون على الجيش الصليبي ومزقوا صفوفه، واستمرت المعركة
ساعات طويلة، وما أن انقشع غبارها حتى تبيّن مدى الكارثة التي لحقت بالصليبيين،
فقد خسروا زهرة شباب جنودهم، وقُتل العديد من الفرسان والضبّاط المخضرمين،
ووقع الملك غي آل لوزينيان وأخوه وأرناط صاحب الكرك وغيرهم من
كبار الصليبيين بالأس أما ريموند الثالث صاحب طرابلس، فقد تظاهر بالهجوم
على المسلمين، فمر بين صفوفهم وذهب ولم يرجع كأنه أنهزم
، واتجه إلى مدينة صور ومكث بها.
بعد هذا النصر جلس صلاح الدين في خيمته، وأمر بإحضار الملك غي وأخوه وأرناط،
فلمّا مثلوا أمامه قدّم للملك شربة من جلاّب وثلج، فشربها وكان على
أشد حال من العطش، ثم ناولها لأرناط، فقال صلاح الدين للترجمان:
«إنما ناولتك، ولم آذن لك أن تسقيه، هذا لا عهد له عندي وذلك كون العادة السائدة
كانت أنه لو شرب الأسير أو أكل من مال من أسره أمن، وكان صلاح الدين
قد نذر أنه لو ظفر بأرناط قتله بعد أن قتل من المسلمين خلقًا كثيرًا بعد ذلك
أمر صلاح الدين بإحضار بعض الطعام للملك غي، وما أن انتهى حتى
أمر بإحضار أرناط، وأوقفه بين يديه ثم قال له:
«نعم أنا أنوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الانتصار لأمته»،ودعاه إلى اعتناق الإسلام،
فرفض وقال ما يتضمن الاستخفاف بالنبي محمد،
فسلّ صلاح الدين سيفه ودق عنق أرناط، وأمسكه الجنود وأخرجوا جثته ورموها على باب الخيمة
، ورآه الملك غي يتخبط في دمائه ويلفظ أنفاسه الأخيرة فخاف
وشحب لونه معتقدًا أنه لاحق به،
فاستحضره صلاح الدين وطيّب قلبه وقال له:
أنا أحدثك حديث الأمراء، لا تخاف يا ملك فلن تموت اليوم،
بل تحيا ولو بقي في قومك بقية كنت أملكك عليهم وأساعدك بمالي ورجالي طول أيام حياتك
. إن سبب ما فعلته به أن الكرك كانت طريق التجار والمسافرين
فكان يعتدى على القوافل بظلم وعنف، وكان ملوك المسلمين نور الدين
وغيره يطلبون الصلح معه ليخففوا ضرره على المسلمين، فكان يوافقهم مرة
ولا يعتدي على التجار وألف مرة يعتدي. فلما تملّكت وحكمت البلاد أرسلت له وهاديته
بمال كثير وخلع.. فحلف لرسولي أنه لن يؤذي المسلمين وسيترك التجار بلا ضرر
ويمهد لهم الطريق ولن يعتدي أي واحد من أصحابه عليهم، وبعد الصلح
بثلاثة أيام عبرت قافلة قاصدة دمشق فساقها بجمالها ورجالها وأموالها وذهب بها
إلى الكرك فأسر رجالها وأخذ الأموال فلما عرفت بأمر نقوضه العهد كتمت
الغيظ ونذرت لله أنني متى ظفرت به أذبحه واقطع رقبته، فلا تلومني يا ملك
صلاح الدين وغي آل لوزينيان بعد معركة حطين.ثم استدعى خادمه وسأله أن يحضر
شراب فجاء به فأخذه بيده وشرب منه وناوله للملك فشربه وأعطى له ولأصحابه خيمة
وجعل عليها حراسًا لحراسته واحتفظ به، وأرسله إلى دمشق أسيرًا
، يرافقه القاضي ابن أبي عصرون،
حتى تنتهي الحرب وتُفتتح القدس،
وأرسل معه أيضًا صليب الصلبوت، وهو الصليب الأعظم عند الصليبيين
والذي قيل بأن فيه قطعة من الخشبة التي صُلب عليها المسيح،
وكان يُغلّف بالذهب واللآلئ والجواهر النفسية
، وكان يتقدم الجيش الصليبي على الدوام، وحملوه معهم يوم حطين،
وأودع في قلعة دمشق عند وصوله
4-فتح القدس
ظل صلاح الدين في عسقلان حتى نظم إدارتها وسلمها إلى أحد مماليكه واسمه علم الدين قيصر،
وأعطاه ولاية عسقلان والقطاع الذي حولها ورحل منها وتوجه إلى القدس لفتحها،
ووصلها يوم الخميس في 11 رجب سنة 583هـ، الموافق فيه 20 سبتمبر سنة 1187م،
من جهة عين سلوان حتى يكون الماء قريب من جيشه وأمر جنده بمحاصرة المدينة في هيئة دائرية
، وصلى المسلمين على الجبل الذي حولها يوم الجمعة،
وزحفوا للقتال بعد الصلاة،
ولم يكن في المدينة المقدسة قوة كبيرة لحمايتها من الهجوم الأيوبي،
حيث لم يزيد عدد الجنود عن 1400 جندي، أما الباقون فكانوا من الفقراء والأهالي
الذين لا خبرة لديهم في القتال وكان باليان بن بارزان فارس من فرسان الفرنجة الكبار
يسكن مدينة القدس ويتولى شؤونها منذ أن غادرها الملك غي
، وكان باليان هذا هو صاحب مدينة الرملة،[137][139]
وقاد القتال في ذلك اليوم وإنضم إليه الكهنة والشمامسة،
وكان ماهرًا في إدارة القتال وتوجيه المقاتلين أمام قوات صلاح الدين،
وكان خوفه الأكبر أن يقتل المسلمين كل مسيحيي القدس عند دخولهم كما
فعل الصليبيون عندما فتحوا المدينة قبل ما يزيد عن قرن من الزمن، فحث
السكان أن يدافعوا عن حياتهم ومقدساتهم حتى الرمق الأخير، وعندما أرسل له صلاح الدين
أن يسلم المدينة ويطلب الأمان لم يفعل، وأصر على القتال واستمر
في الحرب لمدة 14 يومًا.[138]
ولما رأى صلاح الدين أن الحرب ستكون شديدة ولم يقدر على احتلال مدينة القدس،
أحضر يوسف البطيط، وهو رجل مسيحي أرثوذكسي مقدسي، انتقل إلى مدينة دمشق
وسكن فيها وكان له معرفة بأمراء مسلمين وفرنجة، وكان ممن يعرفهم صلاح الدين،
وكان يعرف كذلك أبوه وعمه أسد الدين شيركوه وهم بدمشق في خدمة نور الدين زنكي
قبل أن يحكموا مصر،[138] ولما ملك صلاح الدين مصر وحكمها،
جاء إليهم ليعمل معهم فاستخدمه الملك العادل أبو بكر أخو صلاح الدين وأعطاه عطايا،
وسكنًا في قصر الخليفة في قاعة باب الذهب في القصر الشرقي بالقاهرة،
واستخدمه صلاح الدين لمراسلة الفرنجة، وكان يعرف أحوال البلاد
وأهلها كما كان يعرف كبار فرسان تلك البلاد، فطلب منه أن يتفق مع المسيحيين
الأرثوذكس من عرب وروم يوعدهم بالخير والعفو عنهم إذا لم يساعدوا الفرنجة
في القتال وأن يسلموا المدينة لصلاح الدين من الجهة التي يسكنون بها في القدس
فيُهلكوا الفرنجة،[138] الذين رفض صلاح الدين أن يعفي عنهم بحال فتح المدينة
، حتى هدد باليان بقتل الرهائن المسلمين، والذين يُقدّر عددهم بأربعة الآف مسلم
، وتدمير الأماكن الإسلامية المقدسة، أي قبة الصخرة والمسجد القبلي
، الذان يُشكلان المسجد الأقصى، إذا لم يعف صلاح الدين عنهم.[140]
باليان بن بارزان صاحب الرملة ونابلس وحامي القدس
، يُسلّم المدينة للسلطان صلاح الدين الأيوبي.
السكّان الفرنجة بين يديّ صلاح الدين بعد استرجاعه للقدس
.استشار صلاح الدين الأيوبي مجلسه وقبل هذه الشروط،
على أن يتم دفع فدية على كل من فيها مقدارها عشرة دنانير من كل رجل
وخمسه دنانير من كل امرأة ودينارين عن كل صبي وكل صبية لم يبلغ
سن الرشد، فمن أدى ما عليه في المهلة التي قدرها أربعين يومًا،
صار حرًا.[137] ثم سمح صلاح الدين بعد أن إنقضت المهلة لمن
لم يستطع الدفع منهم بالمغادرة دون فدية،[141][142]
ولكن تم بيع معظم المقاتلة منهم عبيدًا.[143]
دخل صلاح الدين المدينة في ليلة المعراج يوم 27 رجب سنة 583هـ،
الموافق فيه 2 أكتوبر سنة 1187م، وسمح لليهود بالعودة للمدينة،[144]
وهو ما دفع سكان عسقلان من اليهود لاستيطان القدس.[145]
وأغلق صلاح الدين كنيسة القيامة بوجه الفرنجة بعد فتح المدينة،
وأمر بترميم المحراب العمري القديم وحمل منبر مليح من حلب كان
الملك نور الدين محمود بن زنكي قد أمر بصنعه ليوضع في المسجد الأقصى
متى فُتح بيت المقدس، فأمر صلاح الدين بحمله من حلب ونُصب بالمسجد الأقصى،
[137] وأزيل ما هناك من آثار مسيحية منها الصليب الذي رفعه الإفرنج على قبة المسجد،
وغُسلت الصخرة المقدسة بعدة أحمال ماء ورد وبُخّرت وفُرشت ورُتّب
في المسجد من يقوم بوظائفه وجُعلت به مدرسة للفقهاء الشافعية
، ثم أعاد صلاح الدين فتح الكنيسة وقرر على من يرد إليها من الفرنج ضريبة يؤديها.[138]
وقد ابتهج المسلمون ابتهاجًا عظيمً
ا بعودة القدس إلى ربوع الأراضي الإسلامية والخلافة العباسية،
وحضر ناس كثيرون ليسلموا على السلطان ومن هؤلاء
الرشيد أبو محمد عبد الرحمن بن بدر بن الحسن بن مفرج النابلسي،
الشاعر المشهور،
فأنشد صلاح الدين قصيدة طويلة من مائة بيت يمدحه ويُهنئه بالفتح
ومما جاء في القصيدة:
هذا الذي كانت الآمال تَنْتَظِرُ فَلْيوفِ لله أقوامٌ بما نَذَر
هذا الفتوحُ الذي جاء الزمانُ به إليك من هفوات الدهر يعتذرُ
تَجُلّ علياه عن دح يُحيط به وصفٌ وإن نظم المّدَاح أو نثروا
لقد فتحتَ عَصيّاً من ثُغورهمُ لولاك ما هُدَّ من أركانها حَجَرُ
-5-حصار عكا
كان معظم أمراء الفرنجة وفرسانها يذهبون إلى المدن الحصينة
التي ما زالت في أيديهم مثل أنطاكية وصور،
وكانت الأخيرة يحكمها ملك من ملوك أوروبا هو كونراد مركيز مونفيراتو،
ويقول البعض أنه رومي إبن اخت إمبراطور القسطنطينية وكانت صور
أكثر أهمية من الناحية الإستراتيجية من القدس،
لذا كان من المتوقع أن يقوم صلاح الدين بفتحها أولاً،
لكنه فضّل استرجاع المدينة المقدسة
أولاً ليرفع من معنويات المسلمين
قبل التوجه لحصار المدينة المحصنة.
وقبل حصار صور توجّه صلاح الدين بجيشة إلى قلعة صفد وحاصرها سبعة شهور،
ولمّا نفذ الطعام وجاعت الحامية إضطروا أن يسلموا القلعة له وطلب الأمان،
وعندما غادرها جنود الفرنجة وفرسانهم ذهبوا إلى صور
وكانت كل قلعة أو حصن أو مدينة تطلب الأمان ويسلمونها إلى صلاح الدين،
كان الفرنجة يغادرونها إلى صور فقويت بوجود فرسان الفرنجة فيها،
فصمدت في وجه صلاح الدين سنة كاملة
، أضف إلى ذلك أن المركيز ظلّ يقوّي ويحمي ويدبر احتياجات المدينة طيلة أيام الحصار
، حتى دبّ اليأس إلى فؤاد السلطان، ففك الحصار عنها مؤجلاً تحقيق الفتح إلى فرصة قادمة
. وفي سنة 1188م أطلق صلاح الدين سراح الملك غي آل لوزينيان
وأعاده إلى زوجته سيبيلا،
فذهبا ليعيشا في طرابلس، ثم توجها إلى أنطاكية،
قبل أن يُقررا الذهاب إلى صور
، لكن كونراد رفض السماح لهما بالدخول إلى المدينة
كونه لم يعترف بشرعيّة ملكيّة غي
حصار عكا.وبعد أن انصرف صلاح الدين
عن صفد واصل فتح المدن والقلاع ففتح جبلة واللاذقية وحصون صهيون
وبكاس والشغر وسرمينية وبرزية ودرب ساك والكرك وكوكب،
كما سعى بوهمند الثالث صاحب أنطاكية لمهادنة صلاح الدين لمدة ثمانية أشهر،
فقبل صلاح الدين ذلك على أن يطلق بوهمند من عنده من أسرى المسلمين
لما ضجت صور بمن لجأ إليها من الفرنجة،
قام بعض رهبانهم وقسسهم بشحن الفرنجة للثأر
لفقدان بيت المقدس، فرأوا أن يهاجموا عكا، فجمعوا قواتهم وضربوا
عليها حصارًا بريًا بحريًا في 15 رجب 585 هـ الموافق 28 أغسطس 1189م
استنجدت حامية المدينة بصلاح الدين فأرسل إلى عماله وحلفاؤه يطالبهم
بالاسراع إلى نجدة المدينة، فوافاه عسكر الموصل وآمد وسنجار وغيرها من بلاد الجزيرة
وحران والرُّها،
كما وافاه أخاه الملك العادل أبي بكر بن أيوب في جند مصر
والأسطول المصري بقيادة حسام الدين لؤلؤ، فدارت بين الفريقين
معارك عظيمة لم يكتب فيها الغلبة لأي من الفريقين
6-وفاتـه
كانت المواجهة مع الملك ريتشارد ومعاهدة الرملة آخر أعمال صلاح الدين،
إذ أنه بعد وقت قصير من رحيل ريتشارد،
مرض صلاح الدين بالحمى الصفراوية يوم السبت في 20 فبراير سنة 1193م
، الموافق فيه 16 صفر سنة 589هـ، وأصابه أرق فلم ينم الليل إلا قليلاً،
وأخذ المرض يشتد ويزيد، حتى قال طبيبه الخاص،
أن أجل السلطان أصبح قاب قوسين أو أدنى،
واستمر المرض يشتد حتى انتهى إلى غاية الضعف،
وبعد تسعة أيام حدثت له غشية وامتنع من تناول المشروب
، ولمّا كان اليوم العاشر حُقن دفعتين،
وحصل له من الحقن بعض الراحة، لكنه عاد
واشتد عليه المرض حتى يأس الأطباء من حاله
.[5] توفي صلاح الدين فجر يوم الأربعاء في 3 مارس سنة 1193م،
الموافق فيه 27 صفر سنة 589هـ
، فأفجع موته المسلمين عمومًا والدمشقيين خصوصًا،
وبكاه الكثيرون عند تشييعه وقيل إن العاقل حتى
كان ليُخيل له أن الدنيا كلها تصيح صوتًا واحدًا من شدة البكاء،
وغشي الناس ما شغلهم عن الصلاة عليه،
وتأسف الناس عليه حتى الفرنج لما كان من صدق وفائه،
ودُفن بعد صلاة عصر ذلك اليوم
في المدرسة العزيزية قرب المسجد الأموي في دمشق،
إلى جوار الملك نور الدين زنكي،
وعندما فُتحت خزانته الشخصية لم يكن فيها ما يكفي من المال لجنازته،
فلم يكن فيها سوى سبعة وأربعين درهمًا ناصريًا ودينارًا واحدًا ذهبًا،
ولم يخلف ملكًا ولا دارًا،
إذ كان قد أنفق معظم ماله في الصدقات
في ساعة موته، كتب القاضي الفاضل،
قاضي دمشق،
إلى ولده الملك الظاهر صاحب حلب رسالة قال فيها:
«﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾۞﴿إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾
كتبت إلى مولانا الملك الظاهر أحسن الله عزاءه
وجبر مصابه، وجعل فيه الخلف من السلف في
الساعة المذكورة وقد زلزل المسلمون زلزالاً شديدًا،
وقد حضرت الدموع المحاجر، وبلغت القلوب الحناجر،
وقد ودعت أباك ومخدومي وداعًا لا تلاقي بعده وقبلت وجهه عني وعنك،
وأسلمته إلى الله وحده مغلوب الحيلة، ضعيف القوة،
راضيًا عن الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وبالباب من الجنود المجندة، والأسلحة المعمدة ما لم يدفع البلاء،
ولا ما يرد القضاء، تدمع العين، ويخشع القلب،
ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وأنا بك يا يوسف لمحزونون.
وأما الوصايا، فما تحتاج إليها، والأراء،
فقد شغلني المصاب عنها، وأما لائح الأمر،
فإنه إن وقع اتفاق، فما عدمتم إلا شخصه الكريم،
وإن كان غير ذلك، فالمصائب المستقبلة أهونها موته،
وهو الهول العظيم والسلام»
مقام صلاح الدين
.وكان ڤيلهلم الثاني إمبراطور ألمانيا عندما زار دمشق
توجه إلى مدفن صلاح الدين ووضع باقة زهور جنائزية
على قبره عليها نقش معناه "ملك بلا خوف ولا ملامة،
علّم خصومه الفروسية الحقيقية"
كما أهدى نعشًا رخاميًا للضريح إلا أن جثمان صلاح الدين لم يُنقل إليه،
وبقي في النعش الخشبي،
وذلك لأن الإسلام يُحّرم نبش القبور وإخراج الأموات
لأغراض غير شرعيّة ويُصنّف ذلك انتهاكًا لحرمة القبر
، لهذا بقي النعش الهدية في الضريح خاويًا إلى اليوم
للآمانة الموضوع منقول